غيّب الموت الرئيس الأسبق للغرفة الجزائية لدى محكمة التمييز ورئيس الجمعية اللبنانية للقانون الجزائي القاضي ميشال مسعود مدكور.
والفقيد من دير القمر التي أحبّها حتى العشق وأحبَه كلّ أبنائها حيث كان لهم خيرَ مرجعٍ وصديقٍ وأبٍّ وعرّاب لعددٍ كبير من بنيهم وسندٍ معنويّ مهيب، لم يخذلهم يوماً بلّ كان داره مفتوحاً للجميع ومقصداً لكلّ مظلوم.
نال شهادة الحقوق من الجامعة اليسوعية وإلتحق بالسلك القضائي حيث قام بتمثيله أمام المحافل الدولية أصدق تمثيل ونال عدة أوسمة رفيعة.
عُرف من أهم الخبراء القانونيين المتخصصين في القضاء الجزائي حيث أسّس ونجله المحامي روي مدكور الجمعية اللبنانية للقانون الجزائي التي تهدف إلى تطبيق وتطوير المعايير الجزائية.
تبوّأ طوال أربعين عاماً مناصب قضائية رفيعة حيث بدأ كقاضي منفرد مدني وجزائي في جزين وصيدا ثم شغل رئاسة الغرفة المدنية لدى المحكمة الإبتدائية في صيدا لينتقل بعدها إلى ترؤس محكمة الجنايات في زحلة طوال 12 عاماً ومن ثم رئيساً لمحكمة جنايات جبل لبنان طيلة 12 عاماً، كما ترأس الغرفة الجزائية لدى محكمة التمييز لخمس سنوات.
تمّ تعيينه قاضي شرف بموجب مرسوم جمهوري.
تميزت مسيرة القاضي ميشال مدكور بجرأة قلّ نظيرها في حقبة أمنية وسياسية دقيقة مرّ بها لبنان وقد تعرض لعدة محاولات إغتيال وخطف نتيجة إصداره أحكاماً كان الهدف منها المحافظة على هيبة الدولة من خلال التشدّد في تطبيق القانون فلم يخش الموت ولم يهب الضغوطات، متسلّحاً بالحقّ والعدالة مؤمناً بمشيئة ربّه وسيدة التلّة التي حمته من كل سوء.
خلال 45 عاماً أصدر القاضي ميشال مدكور آلاف الأحكام التي أغنت إجتهادات المحاكم الجزائية ولا تزال مرجعاً وثيقاً فكان القاضي الذي حكم المجموعة الإرهابية التي قامت بتنفيذ عملية إغتيال الصحافي سليم اللوزة وهي المجموعة نفسها التي نفذت عملية إغتيال السفير الفرنسي لوي دولامار.
برحيل القاضي ميشال مدكور فقدَ القضاء اللبناني واحداً من رجالات القانون المميزين، كما خسر رجلاً من أخلص الرجال الذين زينوا عالم العدالة في لبنان والذين تتباهى بهم الأمم لما كان يختزنه في شخصه وأدائه من شيم وقيم ومآثر حتى نال لقب "قاضي الشعب".
يكمل أولاده الأربعة المحامون روي وباولا ومارك ومارينا مسيرته وقد تعلموا في كتبِه حبّ الوطن والحقّ والعدالة وخدمة الإنسان.